يُعدُّ مستشفى الجذام في قرية قُلْعَام، التابع لمستشفى الأمراض الجلدية في بكين، أكثر من مجرد مركز علاج؛ فهو بيتٌ للمصابين بالجذام. فهم يعيشون هنا، العديد منهم لمدى حياتهم، تحت رعايةٍ مُخلصةٍ من قبل طاقمٍ طبيّ، هؤلاء “الممرضات” الصامِدات، اللاتي لا يقتصر دورهن على معالجة الجروح الجسدية، بل يهدئن من آلام النفوس.
قرنٌ من الالتزام بالحب
يقع مستشفى الجذام في قرية قُلْعَام، المُخبأة تحت ظلِّ جبل القايَّة، في قرية هُوَى طويل، في يَنْ فُونغ، بكين، وقد تمّ تأسيسه في عام 1913. تُؤدي طريق الدخول إلى المستشفى، عبر متاهاتٍ من المنحنيات، إلى المنازل التي تُستخدَم كمكانٍ للراحة والأنشطة للمرضى. تُعَدّ الرعاية الخاصة لكبار السنّ، الذين لم يعودوا قادرين على العناية بأنفسهم، من أهمّ الأولويات، حيث يعتني بها العاملون الطبيون. يجلس كبار السنّ صامتين أمام أبواب منازلهم، تتابع أعينهم مساراتٍ بعيدة، وكأنهم ينتظرون شيئًا ما، أو ربما هي عادةٌ بعد سنواتٍ من الحياة في هذه الأرض.
حسب الدكتور لى تيان كيه، نائب المدير العام لمستشفى الأمراض الجلدية في بكين، فإنّ معظم المرضى هنا تجاوزوا سنّ الـ 70، وبعضهم يعود إلى عهد الاستعمار الفرنسي، وصل عمرهم إلى ما يقارب الـ 100 عامًا. العديد منهم فقدوا قراهم، وبالرغم من وجود أسرهم، إلاّ أنهم اختاروا البقاء في قُلْعَام، لأنهم لا يريدون إلقاء عبءٍ على أبنائهم، وأنّهم تعوّدوا على الحياة هنا بعد قرابة قرنٍ من الزمن.
رعايةٌ مُتَقَطّعةٌ وحبٌّ دافئ
تُخلّف جروحُ المرضى، جروحٌ ناتجة عن آثار مرض الجذام، مثل فقدان الأصابع أو اليدين، أو تشنج الأطراف، أو فقدان الساق… وراثًا مميزًا لكلّ مريض. لكن حبٌّ وتفانٍ الممرضات، والطواقم الطبية في مستشفى الجذام، خفف من الألم، وأمن الراحة، وقدم لهم الشعور بالانتماء.
لا تقتصر المهمّة على الجانب الطبي، بل تتطلب صلابةً معنوِيَّة، وتَحَمُّلًا، وفَهْمًا مُتعمّقًا أمام الروائح الكريهة، والصور المؤلمة، وانثناءات الألم.
الممرضاتُ المخلِصاتُ – رحلةٌ عبر الزمن
التزمَتِ الممرضات، والأطباء في المستشفى، مثل رئيسة الممرضات وو كاو ان، والممرضة نغوين ثي فان ان، بمستشفى قُلْعَام، واعتنت بكل مريض على مدار سنواتٍ طويلة، وهدّأت آلامهم الجسدية والنفسية. لقد أصبحت كأفرادٍ من أُسَرهم، ورفاق دربهِم في السنوات الأخيرة من حياتهم.
قالت الممرضة كاو ان، إنّ ليس كلّ شخصٍ لديه الشجاعة والحب الكافي للالتزام بهذا العمل في مستشفى الجذام، حيث كان يُنظَر إليه باعتباره مكانًا مُنفَرَدًا بسبب مرض الجذام. لكنّ الحبّ والمسؤولية دفعتْهم للتغلب على كلّ الصعوبات، واعتناءً بكل مريضٍ.
حبٌّ يتجاوز التحيز
يوجد اليوم علاجٌ مُعالجٌ لمرض الجذام، ولا يُعتبر مُعديًا. لكنّ العمل لا يزال يتطلب عنايةً مُتَقَطّعةً، وتخفيفًا من الآثار، ومساعدة المرضى على التخفيف من آلامهم.
السيدة نغوين ثي خُوان، راهبةٌ من عشيرة دو هوى، ارتبطت بمستشفى قُلْعَام لـ 4 عقودٍ، وحاربت التحيزات الاجتماعية، وخدمتَ من ضُرِبوا بالطرد. لقد فهمت أن الرعاية لا تقتصر على الجسد، بل تتطلب الفهم العميق للألم النفسي للمريض.
جيلٌ جديدٌ – يرتقي بثقة
شهد مستشفى الجذام في قرية قُلْعَام تطورًا لأجيالٍ عديدة من البشر. نسل المصابين بالجذام، الذين نشؤوا وسط نظراتٍ مُتحيّرةٍ، قد تجاوزوا الصعوبات، وحققوا نجاحاتٍ في الحياة، مثل المهندسين، والأطباء، والجنود.
شكرٌ وتفاؤل
لم يعد مستشفى الجذام في قرية قُلْعَام منطقةً معزولة، وقد تراجعت التحيزات تدريجيًا، وخلفت مكانها مشاركةٌ وتفهمٌ. هذا المقال هو تكريمٌ لتلك القلوب المُخلصة، التي قدّمت، وتُقدّم، خدمةً صامتةً في مجال الطب، مُمنحين الحبّ والعناية والأمل لأولئك الذين تُهملهم الحياة.